موسى بن نصير
موسى بن نصير (19-97هـ=640-716م) كان قائدًا، ثَبَّت أقدام الإسلام في هذه المنطقة المترامية الأطراف في شمال أفريقيا، وهو من التابعين، وقد روى عن بعض الصحابة مثل تميم الداري. قال عنه ابن خلِّكان: كان عاقلاً كريمًا شجاعًا ورعًا تقيًّا لله تعالى، لم يُهزم له جيشٌ قطُّ[1].
النشأة
أبوه هو نُصَير بن عبد الرحمن بن يزيد اللخمي بالولاء، [2] وكان شجاعًا وممن شهد معركة اليرموك الخالدة، وكانت منزلته مكينة عند معاوية بن أبي سفيان، وبلغ في الرتب أن كان رئيس الشرطة في عهد معاوية حين كان واليًا على الشام في خلافة عمر وعثمان[3] ، وفي روايات أخرى أنه كان رئيس حرس معاوية نفسه[4] .
تربَّى في كنف القادة وقريبًا من بيت الخلافة مع أولاد معاوية وأولاد الأمراء والخلفاء، فنشأَ على حُبِّ الجهاد في سبيل الله ونشر الدين؛ حتى أصبح شابًّا يافعًا يتقلَّد الرتب والمناصب فكان على الخراج بالبصرة[5] ، ثم تولى قيادة جيش البحر وغزا قبرص في عهد معاوية [6] ، ثم تولَّى إفريقية والمغرب في عهد الوليد بن عبد الملك في عام 89 هـ، وقيل في عام 97 هـ[4] .
وضع المسلمين في الشمال الإفريقي
دخل الإسلام بلاد الشمال الإفريقي قبل فتح الأندلس بسبعين سنة؛ أي سنة (22هـ=644م)، وكانت تسكن هذا الإقليم قبائل ضخمة تُسَمَّى قبائل الأمازيغ، وهذه القبائل البربرية قبائل قوية الشكيمة شديدة البأس، وقد ارتدَّت عن الإسلام أكثر من مرَّة؛ فدارت الحروب بينها وبين المسلمين، وانتهت باستقرار الإسلام في هذا الإقليم أواخر عام (85 أو 86هـ= 704 أو 705م) على يد موسى بن نصير.
كذلك كانت الفرصة مواتية لموسى بن نصير ليُنْجِزَ ما عجز السابقون عن إنجازه، فيُعيد الاستقرار لهذا الإقليم؛ فتوَجَّه ناحية المغرب وأعاد تنظيم القوات الإسلامية، وكانت البلاد في ذلك الوقت في قحطٍ شديد، فأمر الناس بالصوم والصلاة وإصلاح ذات البين، وخرج بهم إلى الصحراء. وأقام على ذلك إلى منتصف النهار، ثم صَلَّى وخطب في الناس ودعا، ولم يذكر الوليدَ بنَ عبد الملك، فقيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين؟! فقال: هذا مقام لا يُدعى فيه لغير الله ، فسُقُوا حتى رَوَوا.
موسى بن نصير يُثَبِّت دعائم الإسلام في إفريقيا
شمال إفريقيا كان الهمُّ الأول لموسى بن نصير منذ أصبح واليًا على المغرب هو تثبيت دعائم الإسلام في هذا الإقليم، الذي ارتدَّ أهله عن الإسلام أكثر من مرَّة؛ ولكي يتمكَّن من ذلك كان عليه أن يعلم لماذا يرتدُّ الناس في هذا الإقليم عن الإسلام؟ وكيف يعودون لقتال المسلمين بعد أن كانوا مسلمين؟!
أسباب الردة
وفي بحثه عن أسباب هذه الردَّة المتكرِّرة وجد موسى بن نصير خطأين وقع فيهما مَنْ سبقوه:
الخطأ الأول:
هو أن عقبة بن نافع ومَن معه كانوا يفتحون البلاد فتحًا سريعًا، ثم يتوغَّلُون داخلها طمعًا في فتح أماكن أخرى كثيرة، دون أن يُوَفِّرُوا الحماية لظهورهم في هذه المناطق التي فتحوها؛ ومن ثَمَّ كانت النتيجة أن الأمازيغ (البربر) انتبهوا لهذا الأمر واستغلُّوه جيدًا؛ فانقلبوا على عُقبة وأحاطوا به وقتلوه، وحتى يتغلَّب على هذا الأمر بدأ مُوسَى بن نُصَير بفتح البلاد في أناةٍ شديدة، وفي هدوء وحذرٍ كحذر خالد بن الوليد t، فبدأ يتقدَّم خطوة ثم يُؤَمِّن ظهره، ثم خطوة أخرى ويُؤَمِّن ظهره، حتى أتمَّ الله عليه فتح هذا الإقليم مرَّة أخرى في سبع أو ست سنوات، بينما استغرق عقبة بن نافع في فتحه شهورًا معدودات.
الخطأ الثاني:
فقد وجد أن سكان هذا الإقليم لم يتعلَّموا الإسلام جيدًا، ولم يعرفوه حقَّ المعرفة، فبدأ بتعليمهم الإسلام؛ فكان يأتي بعلماء التابعين من الشام والحجاز ليُعَلِّمُوهم الإسلام ويُعَرِّفُوهم به، فأقبلوا على الإسلام وأحبُّوه، ودخلوا فيه أفواجًا، حتى أصبحوا جند الإسلام وأهله بعد أن كانوا يُحاربون المسلمين [7] ، وهكذا عمل مُوسَى بن نُصَير على تثبيت دعائم الإسلام وتوطيدها في الشمال الإفريقي، وأتمَّ الله عليه فتح الإقليم بكامله عدا مدينة واحدة وهي مدينة سَبْتَة، فقد فتح ميناء طَنْجَة، ولم يفتح ميناء سبتة المماثل له في الأهمية؛ ولذلك ولَّى موسى بن نصير على ميناء طَنْجَة (القريب جدًّا من سَبْتَة والقريب في الوقت ذاته من الأندلس) أمهر قُوَّاده طارق بن زياد -.
مواقف
عندما خرج معاوية لصفين لم يخرج نُصير معه، فقال له: ما منعك من الخروج معي؛ ولي عندك يدٌ[5] لم تُكافئني عليها؟ فقال: لم يمكني أن أشكرك بكفري مَنْ هو أولى بشكري منك. فقال: مَنْ هو؟ فقال: الله . فأطرق مليًّا، ثم قال: أستغفر الله. ورضي عنه[8] .
كذلك روى التاريخ لأمِّ موسى قصة بليغة في الشجاعة، فلقد شهدت هي -أيضًا- معركة اليرموك مع زوجها وأبيه، وفي جولة من جولات اليرموك التي تقهقر فيها المسلمون أبصرت أمُّ موسى رجلاً من كفار العجم يأسر رجلاً من المسلمين، تقول: "فأخذتُ عمود الفسطاط، ثم دنوت منه فشدخت به رأسه، وأقبلتُ أسلبه فأعانني الرجل على أخذه"[9] .
موسى بن نصير في التاريخ
من هنا نرى أن موسى بن نصير—قد تولَّى أمر بلاد المغرب وهي تضطرم نارًا، فكان أوَّل عمل له هو تأمين قواعد انطلاقه، ثم انصرف لإخماد الفتن، والقضاء على الثورات، وتصفية قواعد العدوان، وبناء المجتمع الإسلامي الجديد، ثم وجد بعد ذلك في إفريقية طاقاتٍ ضخمةً، وإمكاناتٍ جبَّارة؛ فأفاد من حرية العمل المتوفرة له، وانصرف إلى متابعة حشد القوات وتعبئتها وقيادتها من نصر إلى نصر، وإشراكها في شرف الفتوح وتحميلها أعباء نشر الإسلام.
تبيَّن لنا بعد تلك الحوادث والفتن التي قضى عليها موسى بن نصير أنه كان من أعظم رجال الحرب والإدارة المسلمين في القرن الأول الهجري، وقد ظهرت براعته الإدارية في جميع المناصب التي تقلَّدَها، كما ظهرت براعته الحربية في جميع الحملات البرية والبحرية التي قادها، وقد ظهرت هذه المواهب واضحة جليَّة في حُكمِه لإفريقية؛ حيث كانت الحكومة الإسلامية تُواجه شعبًا شديد المراس، يضطرم بعوامل الانتفاض والفتنة، وإذا كان موسى قد أبدى في معالجة المواقف وإخماد الفتنة كثيرًا من الحزم والشدَّة، فقد أبدى في الوقت نفسه خبرة فائقة بنفسية الشعوب، وبراعة في سياستها وقيادتها [10] .
الجيش الإسلامي البحري
عندما سيطر موسى بن نصير على المغرب رأى أنه يمكن للأسبان والرومان الهجوم على الشمال الأفريقي بكل سهولة ولا توجد قوة إسلامية بحرية كبيرة تردهم فقرر بقرار بعيد النظر أنه يكون أسطول بحري للمسلمين فأسس قاعده بحرية في تونس وجهز في مدة قليلة ما يقارب المائة سفينة حربية .
فتح قبرص
أراد موسى أن يكون سيد البحر في ذلك الزمان بلا منازع فقرر الخروج للبحر فأعلن للناس أنه يريد الخروج للغزو في البحر فتجمع حوله الناس من حدب وصوب وعلى رأسهم الأشراف وسميت الغزوة بغزوة الأشراف وكان ذلك في عام 85 هجرية 704 ميلادي لكن موسى رأى أن لا يخرج بنفسة فقرر إرسال إبنه عبدالله واستطاعت هذه الحملة إخضاع صقلية للحكم الإسلامي .
فتح سردينية
أرسل موسى بعد ذلك حملة أخرى بقيادة عطاء بن أبي نافع الهذلي لفتح سردينية وهي ثاني أكبر جزيرة في البحر المتوسط بعد قبرص فافتتحها عطاء ووجد فيها كميَّات هائلة من الذهب والفضة والنفائس ، فغنم ما وجده ولما أراد العودة إلى الشواطئ الإسلامية في أفريقيا نصحه موسى أن لا يرجع في ذلك الوقت لأنه موسم هبوب الرياح ونشوء العواصف لكن عطاء لم يأخذ بالنصيحة فأخطأ خطئا جسيما فغرق هو وجنوده في البحر رحمهم الله .
جزر البليار
أرسل موسى بعدها إبنة عبدالله لفتح سردينية مرة أخرى فسيطر عليها ثم توجة إلى جزر البليار ((وهي مجموعه جزر أربعة منها كبرى رئيسية والعشرات منها صغيرة وتتبع إسبانيا حاليا في الحكم )) وقام بهذا الفتح استقرار المنطقة وخضع البحر بجزرة وشواطئة للأساطيل الإسلامية .
مراجع
1. ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/318 وما بعدها.
2. الإصابة في تمييز الصحابة - ابن حجر العسقلاني - ج5 ص110 رقم 6387
3. ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 5/110، 6/496.
4. أ ب ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/319.
5. الزركلي: الأعلام 7/330
6. الذهبي: سير أعلام النبلاء 4/496.
7. ابن عذاري: البيان المغرب 1/43، وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 6/110، والمقري: نفح الطيب 1/239، والناصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى 1/152.
8. ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/319، والمقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 1/240.
9. ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 8/314.
10. محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 1/59.
النشأة
أبوه هو نُصَير بن عبد الرحمن بن يزيد اللخمي بالولاء، [2] وكان شجاعًا وممن شهد معركة اليرموك الخالدة، وكانت منزلته مكينة عند معاوية بن أبي سفيان، وبلغ في الرتب أن كان رئيس الشرطة في عهد معاوية حين كان واليًا على الشام في خلافة عمر وعثمان[3] ، وفي روايات أخرى أنه كان رئيس حرس معاوية نفسه[4] .
تربَّى في كنف القادة وقريبًا من بيت الخلافة مع أولاد معاوية وأولاد الأمراء والخلفاء، فنشأَ على حُبِّ الجهاد في سبيل الله ونشر الدين؛ حتى أصبح شابًّا يافعًا يتقلَّد الرتب والمناصب فكان على الخراج بالبصرة[5] ، ثم تولى قيادة جيش البحر وغزا قبرص في عهد معاوية [6] ، ثم تولَّى إفريقية والمغرب في عهد الوليد بن عبد الملك في عام 89 هـ، وقيل في عام 97 هـ[4] .
وضع المسلمين في الشمال الإفريقي
دخل الإسلام بلاد الشمال الإفريقي قبل فتح الأندلس بسبعين سنة؛ أي سنة (22هـ=644م)، وكانت تسكن هذا الإقليم قبائل ضخمة تُسَمَّى قبائل الأمازيغ، وهذه القبائل البربرية قبائل قوية الشكيمة شديدة البأس، وقد ارتدَّت عن الإسلام أكثر من مرَّة؛ فدارت الحروب بينها وبين المسلمين، وانتهت باستقرار الإسلام في هذا الإقليم أواخر عام (85 أو 86هـ= 704 أو 705م) على يد موسى بن نصير.
كذلك كانت الفرصة مواتية لموسى بن نصير ليُنْجِزَ ما عجز السابقون عن إنجازه، فيُعيد الاستقرار لهذا الإقليم؛ فتوَجَّه ناحية المغرب وأعاد تنظيم القوات الإسلامية، وكانت البلاد في ذلك الوقت في قحطٍ شديد، فأمر الناس بالصوم والصلاة وإصلاح ذات البين، وخرج بهم إلى الصحراء. وأقام على ذلك إلى منتصف النهار، ثم صَلَّى وخطب في الناس ودعا، ولم يذكر الوليدَ بنَ عبد الملك، فقيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين؟! فقال: هذا مقام لا يُدعى فيه لغير الله ، فسُقُوا حتى رَوَوا.
موسى بن نصير يُثَبِّت دعائم الإسلام في إفريقيا
شمال إفريقيا كان الهمُّ الأول لموسى بن نصير منذ أصبح واليًا على المغرب هو تثبيت دعائم الإسلام في هذا الإقليم، الذي ارتدَّ أهله عن الإسلام أكثر من مرَّة؛ ولكي يتمكَّن من ذلك كان عليه أن يعلم لماذا يرتدُّ الناس في هذا الإقليم عن الإسلام؟ وكيف يعودون لقتال المسلمين بعد أن كانوا مسلمين؟!
أسباب الردة
وفي بحثه عن أسباب هذه الردَّة المتكرِّرة وجد موسى بن نصير خطأين وقع فيهما مَنْ سبقوه:
الخطأ الأول:
هو أن عقبة بن نافع ومَن معه كانوا يفتحون البلاد فتحًا سريعًا، ثم يتوغَّلُون داخلها طمعًا في فتح أماكن أخرى كثيرة، دون أن يُوَفِّرُوا الحماية لظهورهم في هذه المناطق التي فتحوها؛ ومن ثَمَّ كانت النتيجة أن الأمازيغ (البربر) انتبهوا لهذا الأمر واستغلُّوه جيدًا؛ فانقلبوا على عُقبة وأحاطوا به وقتلوه، وحتى يتغلَّب على هذا الأمر بدأ مُوسَى بن نُصَير بفتح البلاد في أناةٍ شديدة، وفي هدوء وحذرٍ كحذر خالد بن الوليد t، فبدأ يتقدَّم خطوة ثم يُؤَمِّن ظهره، ثم خطوة أخرى ويُؤَمِّن ظهره، حتى أتمَّ الله عليه فتح هذا الإقليم مرَّة أخرى في سبع أو ست سنوات، بينما استغرق عقبة بن نافع في فتحه شهورًا معدودات.
الخطأ الثاني:
فقد وجد أن سكان هذا الإقليم لم يتعلَّموا الإسلام جيدًا، ولم يعرفوه حقَّ المعرفة، فبدأ بتعليمهم الإسلام؛ فكان يأتي بعلماء التابعين من الشام والحجاز ليُعَلِّمُوهم الإسلام ويُعَرِّفُوهم به، فأقبلوا على الإسلام وأحبُّوه، ودخلوا فيه أفواجًا، حتى أصبحوا جند الإسلام وأهله بعد أن كانوا يُحاربون المسلمين [7] ، وهكذا عمل مُوسَى بن نُصَير على تثبيت دعائم الإسلام وتوطيدها في الشمال الإفريقي، وأتمَّ الله عليه فتح الإقليم بكامله عدا مدينة واحدة وهي مدينة سَبْتَة، فقد فتح ميناء طَنْجَة، ولم يفتح ميناء سبتة المماثل له في الأهمية؛ ولذلك ولَّى موسى بن نصير على ميناء طَنْجَة (القريب جدًّا من سَبْتَة والقريب في الوقت ذاته من الأندلس) أمهر قُوَّاده طارق بن زياد -.
مواقف
عندما خرج معاوية لصفين لم يخرج نُصير معه، فقال له: ما منعك من الخروج معي؛ ولي عندك يدٌ[5] لم تُكافئني عليها؟ فقال: لم يمكني أن أشكرك بكفري مَنْ هو أولى بشكري منك. فقال: مَنْ هو؟ فقال: الله . فأطرق مليًّا، ثم قال: أستغفر الله. ورضي عنه[8] .
كذلك روى التاريخ لأمِّ موسى قصة بليغة في الشجاعة، فلقد شهدت هي -أيضًا- معركة اليرموك مع زوجها وأبيه، وفي جولة من جولات اليرموك التي تقهقر فيها المسلمون أبصرت أمُّ موسى رجلاً من كفار العجم يأسر رجلاً من المسلمين، تقول: "فأخذتُ عمود الفسطاط، ثم دنوت منه فشدخت به رأسه، وأقبلتُ أسلبه فأعانني الرجل على أخذه"[9] .
موسى بن نصير في التاريخ
من هنا نرى أن موسى بن نصير—قد تولَّى أمر بلاد المغرب وهي تضطرم نارًا، فكان أوَّل عمل له هو تأمين قواعد انطلاقه، ثم انصرف لإخماد الفتن، والقضاء على الثورات، وتصفية قواعد العدوان، وبناء المجتمع الإسلامي الجديد، ثم وجد بعد ذلك في إفريقية طاقاتٍ ضخمةً، وإمكاناتٍ جبَّارة؛ فأفاد من حرية العمل المتوفرة له، وانصرف إلى متابعة حشد القوات وتعبئتها وقيادتها من نصر إلى نصر، وإشراكها في شرف الفتوح وتحميلها أعباء نشر الإسلام.
تبيَّن لنا بعد تلك الحوادث والفتن التي قضى عليها موسى بن نصير أنه كان من أعظم رجال الحرب والإدارة المسلمين في القرن الأول الهجري، وقد ظهرت براعته الإدارية في جميع المناصب التي تقلَّدَها، كما ظهرت براعته الحربية في جميع الحملات البرية والبحرية التي قادها، وقد ظهرت هذه المواهب واضحة جليَّة في حُكمِه لإفريقية؛ حيث كانت الحكومة الإسلامية تُواجه شعبًا شديد المراس، يضطرم بعوامل الانتفاض والفتنة، وإذا كان موسى قد أبدى في معالجة المواقف وإخماد الفتنة كثيرًا من الحزم والشدَّة، فقد أبدى في الوقت نفسه خبرة فائقة بنفسية الشعوب، وبراعة في سياستها وقيادتها [10] .
الجيش الإسلامي البحري
عندما سيطر موسى بن نصير على المغرب رأى أنه يمكن للأسبان والرومان الهجوم على الشمال الأفريقي بكل سهولة ولا توجد قوة إسلامية بحرية كبيرة تردهم فقرر بقرار بعيد النظر أنه يكون أسطول بحري للمسلمين فأسس قاعده بحرية في تونس وجهز في مدة قليلة ما يقارب المائة سفينة حربية .
فتح قبرص
أراد موسى أن يكون سيد البحر في ذلك الزمان بلا منازع فقرر الخروج للبحر فأعلن للناس أنه يريد الخروج للغزو في البحر فتجمع حوله الناس من حدب وصوب وعلى رأسهم الأشراف وسميت الغزوة بغزوة الأشراف وكان ذلك في عام 85 هجرية 704 ميلادي لكن موسى رأى أن لا يخرج بنفسة فقرر إرسال إبنه عبدالله واستطاعت هذه الحملة إخضاع صقلية للحكم الإسلامي .
فتح سردينية
أرسل موسى بعد ذلك حملة أخرى بقيادة عطاء بن أبي نافع الهذلي لفتح سردينية وهي ثاني أكبر جزيرة في البحر المتوسط بعد قبرص فافتتحها عطاء ووجد فيها كميَّات هائلة من الذهب والفضة والنفائس ، فغنم ما وجده ولما أراد العودة إلى الشواطئ الإسلامية في أفريقيا نصحه موسى أن لا يرجع في ذلك الوقت لأنه موسم هبوب الرياح ونشوء العواصف لكن عطاء لم يأخذ بالنصيحة فأخطأ خطئا جسيما فغرق هو وجنوده في البحر رحمهم الله .
جزر البليار
أرسل موسى بعدها إبنة عبدالله لفتح سردينية مرة أخرى فسيطر عليها ثم توجة إلى جزر البليار ((وهي مجموعه جزر أربعة منها كبرى رئيسية والعشرات منها صغيرة وتتبع إسبانيا حاليا في الحكم )) وقام بهذا الفتح استقرار المنطقة وخضع البحر بجزرة وشواطئة للأساطيل الإسلامية .
مراجع
1. ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/318 وما بعدها.
2. الإصابة في تمييز الصحابة - ابن حجر العسقلاني - ج5 ص110 رقم 6387
3. ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 5/110، 6/496.
4. أ ب ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/319.
5. الزركلي: الأعلام 7/330
6. الذهبي: سير أعلام النبلاء 4/496.
7. ابن عذاري: البيان المغرب 1/43، وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 6/110، والمقري: نفح الطيب 1/239، والناصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى 1/152.
8. ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/319، والمقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 1/240.
9. ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 8/314.
10. محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 1/59.